صالح الكويتي: مدرسة النغم المهاجر

(حصري لصفحة ونلتقي)

تحدث نجل الفنان صالح الكويتي لصفحة ونلتقي عن تجربة والده الفنية في العراق وفي اسرائيل مسلطا الضوء على كتابه “صالح الكويتي، نغم الزمن الجميل ” الذي صدر في بغداد في العام الجاري 2014.

في إهداء كتابه، كتب سليمان صالح الكويتي المولود في إسرائيل ” الى العراق الحبيب الذ أعزّ والدي صالح الكويتي وتعتز أسرتي بالانتساب اليه .الى أبناء العراق الذين أحبهم والدي وأحبوه وكرّس لهم فنه ، فتغنّوا به وما زالوا يتغنون بألحانه. الى الحريصين على التراث الفني العراقي وإنتاجات رواده، اهدي هذا الكتاب”.

من لا يعرف القصة سيخال له أنّ صالح الكويتي عملاق النغم العراقي المجهول، قد عاش وقضى في العراق، ولن يمرّ في باله أنه هاجر الى إسرائيل في منتصف عمره، وأنّ الكاتب الذي يخاطب العراق بهذه الطريقة ولد في إسرائيل وكبُر فيها.

مدرسة الفن المهاجرة

صالح وداوود الكويتي، من اشهر الموسيقيين العراقيين في مطلع القرن العشرين، بل يعتبرهما كثيرون مؤسسين لمدرسة الموسيقى العراقية الحديثة . وحين غادرا العراق عام 1951 ، حملا معهما شهرة ومعرفة واسعتين، ربما كانت ادوات لهما للعيش في تجربة الدولة العبرية السياسية. سليمان صالح الكويتي نجل الموسيقار الراحل، سلط الضوء على تطور الصنعة الفنية لصالح الكويتي مبينا أنه وصل الى إسرائيل حاملا صفته”كأحد كبار الموسيقيين والملحنين في العراق ، وكان ذلك في سنة 1951، وكانت اسرائيل في بداية عهدها وقد خرجت توا من الحرب مع الدول العربية. وكان المجتمع الاسرائيلي ذو الاغلبية الغربية ينظر الى كل ما هو عربي من ثقافة وموسيقى على انه يعود الى الاعداء. ولهذا فان الموسيقى التي كان صالح الكويتي يحملها معه لم يكن لها جمهورها . كما أنّ اليهود العراقيين الذين هاجروا الى اسرائيل آنذاك اقاموا في اماكن متفرقة وكانوا منهمكين في تدبير أمورهم المعاشية كمهاجرين جدد ولم يكن بمقدورهم ان يشكلوا جمهورا بديلا لجمهور المعجبين بموسيقاه وتلاحينه في العراق. ثم ان اذاعة اسرائيل خصصت آنذاك للبرامج المذاعة باللغة العربية نحو ساعتين في اليوم وكانت برامجها، واكثرها سياسية، موجهة في الغالب الى المستمعين العرب في اسرائيل والدول العربية المجاورة ولم يكن المستمع العراقي البعيد نسبيا من المقصودين مباشرة بهذه البرامج. ومع ذلك فقد خصص لابي، صالح الكويتي وشقيقه داود، برنامجا اذاعيا مدته نصف ساعة كل اسبوع لإذاعة اغان وموسيقى عراقية، وكويتية في بعض الاحيان. ولكن الاجر الذي تلقياه عن هذا البرنامج لم يكن مناسبا لسد نفقات المعيشة والسكن وتربية الاولاد ولهذا كانا يشتركان في احياء حفلات خاصة واستأجرا في السنوات الاولى دكانا لبيع الادوات المنزلية. وبمرور الوقت تحسنت احوالهما المعيشية وخاصة حين انهى الاولاد دراستهم وبدأوا يعملون. وطبيعي ان نشاطهما الفني تقلص في اسرائيل بالنسبة لما كان عليه في العراق، ومع ذلك لحن صالح في اسرائيل نحو خمسين اغنية لمطربين ناشئين. كما ان معدي الابحاث الاكاديمية عن الموسيقى العربية من اسرائيليين واجانب كانوا يلجأون اليه ويقضون معه الساعات الطوال للاستفادة من معلوماته وتجاربه.”

بيت الأنغام في العراق

الموسيقى والأنغام كانت تغمر ارجاء بيت الكويتي صالح وشقيقه داوود، ولابد أن الأسرة قد تشربت نكهة تلك الأجواء ، والى ذلك أشار سليمان الكويتي بالقول” في العراق، كما سمعت من والدتي، كان والدي يقيم في حفلات بيتية احيانا، وخاصة بحضور شخصيات كويتية كانت تزور العراق. فقد حافظ والدي على علاقات ودية مع معارفه في الكويت، وخاصة من العائلة الحاكمة، رغم انتقاله مع عائلته للإقامة في العراق. اما في اسرائيل، فانا لا اتذكر ان في بيتنا كانت اجواء فنية. كنا نعرف ان الوالد فنان، وكان موسيقيا مشهورا في العراق، وان موسيقاه في مفهومنا كانت مهنة ومصدرا للرزق. وكان والدي متواضعا جدا ولم يكن يحدثنا عن انجازاته وعن المكانة الرفيعة التي كان يحتلها في عالم الموسيقى، كما لم يكن في بيتنا الا القليل من تسجيلات الحانه. ويجوز انه بسبب المتاعب التي واجهها لم يشجع احدا من ابنائه على تعلم الموسيقي . واقول الحق انني حين بدأت ابحث عن معلومات للكتاب، وكان ذلك بعد وفاته بعدة سنوات، فوجئنا كلنا، وحتى الوالدة – زوجته – ، بما اطلعنا عليه وخاصة من المصادر العربية.

سليمان صالح الكويتي، كاتب الكتاب ونجل الفنان الراحل.

عراقي، كويتي، إسرائيلي: الفن لا حدود له.

وهكذا فإن الكويتي حمل روحه ولقبه ” الكويتي “من البلد الذي ولد فيه ” الكويت” الى البلد الذي ترعرع فيها ونبغ “العراق”، وهذا يفسر تفاصيل كثيرة في حياته، منها سعي امير الكويت في عام 1951 الى استقباله واعادته الى الكويت بدلا من السفر الى إسرائيل. بل أن الكويت طالما اعتبرت صالح وداوود، ارثا فنيا يعود لدولة الكويت. وقد اعاد سليمان تلك الواقعة الى الاذهان وهو ينقل عن والدته ما جرى في الأيام الاخيرة لأسرة الفنانين في العراق” انا ولدت في اسرائيل. وقد علمت من والدتي انه في الايام الاخيرة في العراق قبل المغادرة كانت العائلة منشغلة بانجاز الترتيبات الخاصة بالسفر،وكانت هناك محاولات عديدة من جهات رسمية واهلية للتأثير على والدي لكي يتخلى عن فكرة الرحيل، ولكن القرار الذي توصل اليه والدي والعائلة كان على اساس انه بعد اقامة دولة اسرائيل وما اسفرت عنه الحرب العربية ضدها، لم يعد بإمكان أي يهودي، مهما كان ما يتمتع به من مكانة ونفوذ، ان يحيا بكرامة وامان في اي بلد عربي. وعلى هذا الاساس ايضا رفض والدي دعوة رسمية من حاكم الكويت بالتوجه الى الكويت بدل السفر الى اسرائيل.”

للنجاح قصة أخرى

في العادة يصعب على الناجحين والعباقرة والمبدعين أن يغادروا منشأهم تاركين الصروح الكبرى التي اقاموها في تلك البلاد، لكن رياح السياسية لا تجري غالبا بما تشتهي سفن الناس، وهو ما سلط عليه الضوء سليمان الكويتي ناقلا التفاصيل عن والدته “تفاحة” التي عايشت تجارب عدة بلدان قبل ان تُلقي بها الرياح الى إسرائيل” كما علمت مما روته لي والدتي ان قرار المغادرة لم يكن سهلا على والدي وعمي فقد كانا يشعران بانهما سيفقدان بمغادرتهما مستوى معيشتهما العالي وكل ما كانا يتمتعان به من مكانة ونفوذ في الاوساط الرسمية والاهلية . ولكن للظروف احكامها.”

لكن تلك الضرورات لم تترك- كما يبدو- ندبا في روح الابن سليمان ولا في أرواح افراد اسرته ، وعن هذا يقول سليمان” لم يكن لدى والدي وعمي ولدى أفراد اسرتي جميعا أي شعور بالاستياء من اية جهة.”